الجمعة، 28 يناير 2022

لنكون شركاء مع الشرق ونبطل تبعية الغرب

 لفت انتباهي خبر زيارة وزير الخارجية للولايات المتحده في اطار الحوار الاستراتيجي الامريكي - الكويتي في دورته الخامسة ويشمل كافة القطاعات كالتعليمية والامنية والتجارية والاقتصادية وغيرها مع اننا لم نسمع عن الدورات الاربعة الماضية بل اننا لم نشهد لها واقعا على الارض. سؤالين طرحتهما في عقلي فورا وهما لماذا تريد الولايات المتحده تعاونا استراتيجيا مع دولة نفطية صغيرة لا يتعدى تبادلها التجاري مع الولايات المتحده 0.02% من الناتج الامريكي السنوي وتملك علاقات متميزة معها كما انها تملك قاعدة عسكرية ضخمة فيها ؟ وهل مازلنا في الكويت حقا نعتقد ان الامريكي هو القطب الاوحد في العالم والافضل للقيام بحوار استراتيجي معه؟ 

رغم النوقيع على اتفاقية الحوار الاستراتيجي مع الامريكيين عام 2016 الا ان حوارا لم يحصل عام 2018 وهو العام الذي ذهب فيه الامير الراحل صباح الاحمد رحمه الله مع وفد كبير ورفيع المستوى الى الصين لابرام اتفاقيات موسعه في مجالات الاقتصاد والتجارة والطاقة والمال ضمن مشروع الحزام والطريق لتحويل الكويت لمركز مالي واقتصادي. بعدها لم يتأخر الامريكان للجولة الثالثة من الحوار والتي عقدت في الكويت في مطلع يناير 2019 والتي ترأس فيها الوفد الامريكي مايك بومبيو وزير الخارجية الامريكي حينها ليذكرنا بالدور الامريكي في تحرير الكويت ثم اختتم بالملفات السورية واليمنية والايرانية والتي وصفها بتبادل الاراء. يسعى الامريكان بقوة لنقض الشراكة الاستراتيجية الكويتية الصينية التي قال عنها السقير الصيني في الكويت لي في مقابلة أجرتها معه وكالة أنباء ((شينخوا))، إن الصين والكويت تتمتعان بالصداقة التقليدية، مشيرا الى أن "الكويت هى أول دولة خليجية عربية ارتبطت بعلاقات دبلوماسية مع الصين، وأول دولة في منطقة غرب آسيا وشمال إفريقيا توقع على الاتفاقيات المعنية بمبادرة الحزام والطريق مع الصين!! فأين أصبحت تلك المبادرة التي كنا اول من وقعها مع علمنا الان ان مبادرة الحزام والطريق اصبحت تمر في ايران ثم العراق فسوريا ؟؟؟ نعم لقد نجح الامريكي في فرملة الاتفاقية الكويتية الصينية وفيها خسرت الكويت فرصة ثمينة للتنمية بل وذهبت فكرة تحويل الكويت لمركز مالي ادراج الرياح. فالصينيون ليسوا كالامريكان فبمجرد ان فعل الايرانيون اتفاقيتهم الاستراتيجية مع الصين حتى بدأ 22 ألف صيني من مهندسين وعمال يستعدون للسفر الى ايران للبدء بتأهيل مصافي النفط والبنى التحيتية لايران وبناء المصانع وغيرها ،،، فلماذا راهنا على الامريكان وهم الان الحصان الخاسر ؟؟؟؟

يقول الاسكتلندي المولد الامريكي الجنسية نيال فرجسون في كتابه كولوسوس: صعود وهبوط الامبراطورية الامريكية والذي أصدره عام 2004 :" ان علامات الافول والتراجع للامبراطورية الامريكية تشبه تماما تلك التي حصلت لبريطانيا فضمور النفوذ والقوة يتمثل بأمور 4 وهي:

1 - الديون الهائلة ،فبريطانيا كانت قد بلغت ديونها عام 1934 200% من ناتجها الاجمالي واليوم الولايات المتحدة ترزح تحت ثقل الديون التي بلغت 134% من ناتجها الاجمالي.

2 - تراجع القوة النسبية ، فبريطانيا في القرن 19 لم يضاهيها احد في جبروتها الاقتصادي حتى تجاوزتها الولايات المتحده عام 1870 ثم المانيا واخيرا الاتحاد السوفيتي والان الامريكان يعانون من ذات الشيء فالصين قد  تجاوزت الولايات المتحد بالقوة الشرائية بالنسبة للناتج الاجمالي للدولة منذ عام 2017 (   based on GDP , Purchasing power parity أو PPP

3- عدم الرغبة في مواجهة خصومها: فبريطانيا رغم رؤيتها الواضحة لبزوغ النجم الالماني قبل الحرب العالمية الاولى بل والثانية كذلك الا انها كانت لفترة طويلة تغض النظر عنها لتثاقلها بالديون الكبيرة  وكذلك الامريكان فبعد انسحابهم المذل من فيتنام وافغانستان وقريبا العراق فهم يتغاضون عما يحصل هناك بل انهم بعد اغتيالهم للجنرال سليماني امطرتهم ايران بالصواريخ على قاعدتهم في العراق فما كان من الرئيس الامريكي حينها دونالد ترمب سوى ان قال " الحمد لله لا خسائر بشرية" واكتفى بالصمت ولم يفكر مطلقا بأية ردة فعل بل أمعن الايرانيون باهانتهم  للامريكان بابعادهم عن المفاوضات النووية المباشرة فالامريكان لم يجلسوا في غرفة أخرى من ذات الفندق بل أصر الايرانيون ان يجلس الوفد الامريكي في فندق آخر، ومع ذلك لم ينسحبوا من المفاوضات. وما يحصل بين اوكرانيا وروسيا لعله مثال آخر وجلي، فالامريكان رغم جعجعتهم الاعلامية لن يرسلوا جنديا مقاتلا واحدا لاوكرانيا واكتفوا بارسال السلاح بل لم يجرؤ الامريكان بإدخال اوكرانيا في حلف الناتو رغم رغبة الاوكرانيين بذلك.

4 - الامريكان ينقسمون على أنفسهم: أكثر من 40% من الامريكيين يعتقدون جازمين ان بايدن ليس الرئيس الشرعي للولايات المتحده وان الانتخابات قد تم تزويرها وبالتالي فالكثير منهم لا يبالون بقرارات بايدن بل ويستهزؤن به وبقراراته وهذا العدد الكبير ما زال يلتف حول ترمب ولا أبلغ من هذا الالتفاف حين اقتحمت مجموعة كبيرة منهم مبنى الكونغرس وعاثوا فيه فسادا بل مازال الامريكيون يتباحثون الامر مما دعا النيويورك تايمز الشهيرة لدعوة مجموعة كبيرة من السياسيين والاكاديميين والكتاب لبحث نفطة مهمة جدا وهي " ما هوية امريكا ؟ هل هي دولة ديمقراطية حرة أم بلد عنصري قائم على العبودية؟، هذه الاسئلة العميقة تظهر مدى الانقسام في المجتمع الامريكي.

كخلاصة ، الولايات المتحدة لم تعد الدولة العظمى التي ما زلنا في الكويت نريد ان نعتقدها كذلك، ولا هي الدولة التي يجب وضع مقدراتنا ومستقبلنا فيها، فهي نجم آفل ذاهب للضمور والانتهاء كقطب واحد فعلينا الالتفات للشرق وإعادة التعاون مع الصين ولا نخشى مما سيفعله الامريكان ولا نلتزم بمواقفهم ولا قراراتهم التي غالبا ما تصب في مصلحتهم فقط فهم لا يستطيعون سوى الجعجعة ، فقد مضت 5 دورات على الحوار مع الامريكي فهل تهيىئت عودة الكويت لتكون مركزا ماليا او معلما تعليميا أو.... ؟ فالعالم تغير ونحن بدورنا يجب ان نتماشى معه

 لقد حان الوقت لنكون شركاء مع الشرق لا تبعاء للغرب.

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق