الجمعة، 25 أغسطس 2023

أصبحنا بلدا بلا طموح !!!

 قد يكون العنوان قاسيا نوعا ما ولكن من ينظر الى ماضي الكويت ونهضتها لا يملك الا الموافقة على العنوان المطروح فكويت الماضي كانت نموذجا للدولة الناجحة التي تسعى الكثير من الدول في المنطقة لتقليد نجاحها وبعبارة أخرى كان طموح العديد من الدول أن تصل الى ما وصلت اليه الكويت من نهضة. فما هو االطموح ، ولما هو أمر مهم؟ ولماذا انحرفت بوصلتنا؟

يعرف الطموح على انه الرغبة الشديدة لتحقيق انجاز او تميز وهي على المستوى الفردي عادة ما تكون رغبة جامحة لتحقيق النجاح بل والتفوق او الثراء او النفوذ، فهو أمر متأصل في الانسان حيث يسعى دوما لتحسين صورته امام الاخرين، وكل هذا من الجانب المادي والامر ذاته ينطبق على الجانب الروحي حيث يطمح الانسان ان يكون من افضل البشر نصيبا عند الله تعالى وهو ما يسمى بالسعي الى الكمال .

ما يميز الطموح انه محصور بهدف او أهداف ويقوم الانسان بالسعي له بطرق مختلفة وهذه الطرق وان كانت مختلفه الا انها تتشارك بعناوين رئيسية وهي زيادة 1- المعرفة 2 - والصبر 3 - والمهارات، فلا يمكن التقدم نحو هدف الطموح دون الزيادة في المعرفة لانها تساعد الانسان في اتخاذ القرارات بشكل اصوب وتعزز الثقة بالنفس وتفتح افاق الابداع ، اما الصبر فلولاه لسقطنا وتراجعنا من اول كبوة ولفقدنا طموحنا وهو السعي الى الهدف، اما المهارات التي نكتسبها اثناء السعي للهدف بسسب الخبرة وزيادة المعرفة فتتعاظم خبارتنا لنستطيع في النهاية تجاوز العقبات والوصول للهدف من طرق مختصرة واقصر بكثير.

4 أمور سقطنا فيها في الكويت حتى انعدم طموحنا وهي بشكل عام اعداء الطموح:

1 - الجمود وهو عكس الطموح تماما فالعالم أصبح فيه البقاء للاقوى وللاصلح وللذي يضع خططا حسب امكاناته ويسير عليها ولا يتوقف، ويحاول التطور دوما ويواكب مجريات العالم ولا يدور في حلقة مفرغة يضيع فيها الوقت والجهد. فالعالم الان بمجرد ان تصاب بالجمود استبدلك فورا وقدم الطموح والقوي الذي يستطيع ان يغطي عجزك فيفرد له مساحة بالمشاركة معه في كل صنوف العلم والتكنلوجيا والتقدم بشكل عام.

2 - الانانية المفرطة وهي الوصول الى الهدف ولو على ظهور الاخرين ولو سرق منهم افكارهم ولو كانت اهدافها شريرة انها التمهيد للنفس من خلال إيذاء الاخرين وهؤلاء الاشخاص عندما يمكنون من مبتغاهم لن تهمهم بيئتهم ولن يهمهم الكفاءات بل قد يقصيهم ليظهر نفسه.

3 - الرغبات الفردية وهي امور قصيرة المدى ومادية بحتة تجعل من العمل الجماعي اضحوكة ومن الاهداف السامية نكتة ، هؤلاء اذا اصبحوا في مناصب قيادية وهم كثر يسعون لرغباتهم وان تعارضت مع الاهداف العامة النبيلة .

4 - عدم استغلال الكفاءات وعدم الحرص على تأهيل القيادات بصورة جيدة لتصبح الواسطة هي المؤهل للوظيفة والنسب والانتماء السياسي هي الطريق للصعود الى المناصب العليا . 

جاء سقوطنا هذا بعد ان كانت الكويت في اعلى درجات الطموح فكانت تضم كل المبادىء والقيم في طياتها فقد كانت ترى ان مساعدة الاخرين بما حباها الله تعالى جزءا من شخصيتها وكينونتها، كانت ترى ان كل فرد مهم للوصول الى الاهداف العامة والخاصة ايضا فكانت تقدم كل سبل المعرفة والتوعية والتعليم الفاخر، كانت تبحث عن الابداعات في شتى المجالات وتقدم كل العون لكي ينمو ويستمر. كانت الكويت تنظر لاشقاءها بعين الاهتمام لذا كانت رائدة في التوفيق بين العرب فهو جزء أصيل من كينونتها، كانت بلد الحريات والصحف المرموقة صاحبة السقوف العالية في حرية التعبير والنقد البناء، كانت بلد الثقافة حيث تبنت مجلات المعرفة والثقافة وكانت تغدق عليها لرفع المستوى الثقافي للمواطن. فأين ذهب كل هذا ؟ وعلى أية صخرة تحطمت طموحاتنا ؟؟؟؟

الاغلب الاعم يحمل حربي الخليج هذا العبء حتى أصبحت هاتين الحربين شماعة تحمل اكثر مما تحتمل لانه أمر يسير ان تلوم الحروب فمعها يتعاطف الناس فورا عند سماعهم ذلك. ولكني اقول ان هذا محض هراء ومن غير الصحيح ان نعلق فشلنا على هذه الشماعة ، فما علاقة جودة التعليم والتخطيط الصحيح ونشر الثقافة وحرية الصحافة وغيرهم بهذه الحربين فهذا امر مرفوض عقلا وواقعا والحقيقة ان الحكومات المتلاحقة لم تكن تأبه باعادة الكويت لمبادئها الاصيلة ولم تكن جزءا من نظرياتها بل تركت امور البلد على البركة ليس الا.

اننا بحاجة لانتفاضة تصحيحية توقف المسيرة الحالية لنبدأ مسيرة جديدة تدريجيا بخطط مجكمة وواقعية نحو طموح الدولة مانعة كل العراقيل الداخلية والاملاءات الخارجية فننمو بالتعليم والثقافة ونستعيد دبلوماسيتنا وريادتنا ومبادءنا في الوقوف مع اشقاءنا في محنهم وخاصة اخواننا في فلسطين لنصدح كما كنا في كل المحافل لنصرة المظلوم. كما آن لنا ان تستعيد الدولة هيبتها لتخرس كل الاصوات المنحرفة التي تريد ان تشطح بنا الى شواطىء الابتذال والتأمرك وقيم الغرب القذرة، ولنخفف من قيود المرئي والمسموع لنسمع صوت الحقيقة من جديد فمن غير سماع الحقيقة لا تستطيع ان تبني خطواتك المقبلة ولا يمكن ان تفتح مراكز دراسات مستقبليه تبني على حاضر مغلوط ومقيد بخطوط حمر وهمية لتخرج بنتائج وهمية ومغلوطة لا نستشرف المستقبل بشكل دقيق. 

وفي الختام أقول ان الطموح هو أمل يحفز الانسان للمضي الى الامام فنحن نملك الشباب القادر لذا يجب ان نستعيده من اليأس والاحباط وان نضع الهدف امامه ونمهد له كل السبل كي يوظف طاقاته من اجل الوطن والمجتمع.   

 

السبت، 19 أغسطس 2023

إتباع الحق ومقاومة الباطل

 مصادر التاريخ تخبرنا عن الصراع الابدي بين الخير والشر كما ان الكتب السماوية كلها تعرض هذا الصراع الانساني على مدى الدهر، ولو ركزنا على المصحف الشريف تحديدا لوجدنا مجموعة كبيرة من القصص التي تسرد هذا الصراع بدأ من آدم عليه السلام وكل هذا العرض والسرد القرآني لهدف وهو استخلاص العبر والمواعظ والتعرف على السنن الالهية في الكون. وفي معظم هذه الايات الشريفة ينهيها الله عز وجل بقوله " عبرة لاولي الالباب" ، "وذكرى لاولي الالباب" ، "وما يذكر الا أولي الالباب" وهنا نلاحظ بما لا يقبل الشك ان من يتعض ومن يذكر هم "أولي الالباب" اي هناك تقييد بهم وتحديدا بهم ، فمن هم أولوا الالباب؟ يقول الله سبحانه وتعالى في سورة الزمر اية 17--18 " وَ الّذِينَ اجْتَنَبُوا الطغُوت أَن يَعْبُدُوهَا وَ أَنَابُوا إِلى اللّهِ لهَُمُ الْبُشرَى فَبَشرْ عِبَادِ (17) الّذِينَ يَستَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتّبِعُونَ أَحْسنَهُ أُولَئك الّذِينَ هَدَاهُمُ اللّهُ وَ أُولَئك هُمْ أُولُوا الأَلْبَبِ (18) فهم من اجتنب الطاغون واستمع القول اي سمعه بتعقل وفهم فاتبع احسن ذلك القول اي اذا كان هناك قولان حسنان اتبع الاحسن واذا كان هناك قول سيء وآخرحسن اتبع الحسن، بمعنى آخر يجب علينا اذا اردنا ان نكون من أولي الالباب ان نتعظ من سيرة السابقين ونتذكر ما جرى عليهم وان لا نقبل الامور على عوانيها ولكن يتطلب منا تفكرا وتعمقا باستماع الاقوال لاتباع احسنها.

هذا المقال لا يتناول المؤمن المرتبط بالقرآن الكريم والتعاليم الالهية ولا بالكافر المنافق الذي لا يرتبط بالكتب والتعاليم السماوية وإنما للاشخاص الذين يعانون من صراع في داخلهم بين الخير والشر وبالنتيجة ما يخرج من فمه وما يسعى اليه بالعمل. هكذا أشخاص يعيشون معاناة بين كيف يرضون الله تعالى في خضم سيطرة للنفس على كلامهم وفعلهم لتختلط عليهم الامور فلا يتبعون أحسن القول أحيانا.

لهؤلاء الاشخاص عليهم التفكر قبل القيام بالعمل او النطق بالكلمات بدوافع هذه الافكار وهذا أمر مهم لان كل عمل وكل كلمة لها نتيجة خيرا كانت أم شرا ولكل عمل او قول حساب إما أجرا وإما إثما ، فهذه الدوافع هي التي تحدد من هم أولوا الالباب فان كانت هذه الدوافع نابعة من النفس وجب علينا الحذر فالنفس أمارة بالسوء واما الدوافع النقية والطاهرة فهدفها ارضاء الله تعالى. هذا العمق في التفكر لاختيار الاصلح والاحسن يتطلب من الانسان ان يكون قادرا على المقاومة  أي مقاومة النفس والمغريات والصورالتي  صار المجتمع يعتبرها أمرا عاديا ومقبولا، فقوى الشر والظلام أصبحت أقوى من أي وقت مضى لذا يلزمنا جميعا أن نحصن أنفسنا وأهلينا منها.

المقاومة اذا ما عرفناها بكلمتين كي يسهل حفظها هي " عدم الاستسلام " فالاستسلام أمر يسير لا يتطلب جهدا لانه الانبطاح لقوى الشر والظلام مهما صغر فمعظم النار من مستصغر الشرر فعندما يتقبل الانسان الصغائر تصبح جزءا من وجدانه ليبنى عليها شخصيته وردود أفعاله لتصبح قاعدة ينطلق منها لاعمال وأفعال أكبر دون ملاحظته ان الانحراف قد وقع منذ الخطوة الاولى وكلما علا المبنى يصعب ازالته والبناء من جديد. فالمستسلم للشر لا يمكن بأي شكل ان يكون من ذوي الالباب فهو لم يفكر بأثر هذا العمل ولم يتذكر ان قوما سبقوه قاموا بنفس الفعل وزلت أقدامهم عن جادة الحق.

مقاومة الشر في المقابل تتطلب جهدا كبيرا فهي مبدأ الصراع مع الظلمة وهذا الجهد الذهني سيخرج بفكرة ولكي يطبقها سيواجه الانسان مصاعب كثيرة وسيتطلب منه تضحية لان الشر لن يتركه يطبق تلك الافكار. ولكن كلما كانت مقاومة الانسان أكبر استطاع ان يواجه هذه المراحل حتى تمام انجاز المهمة بعدها يستطيع ان يخرج منها بسعادة وهذا أمر مهم فالسعادة التي ينالها المقاوم لن تزول او تضمحل بينما سعادة المستسلم لحظية ووقتية تضمحل وتزول خلال ساعات او أيام كي يعود لانحرافه مرة أخرى.

 اطلاق لفظ المقاومة لغة لا يصح الا عندما تكون هذه القوة عكس التيار العام وعكس ما هو سائد اي هي ردة فعل لفعل باطل بحكم ان الشر والباطل هو السائد . فلا يصح ان يأتي هذا اللفظ الا عندما تكون ضد الشر والفساد ومع الخيروالاصلاح، فلا يجوز عقلا استخدام هذا اللفظ مثلا كمقاومة الحق!!! لذا تشن عليها قوى الشر والظلام حروبا ومعارك وقصدها واحد وهي ازالة هذه المقاومة تماما فوجود بذرة صغيرة من المقاومة تستطيع ان توقف نهرا من الشر.

في الختام لكي نكون من ذوي الالباب يجب ان نتفحص الاحداث وان لا نسير معها  كما يقول المثل حشر مع الناس عيد فهذا غير صحيح ويجب ان ان نعلم من الاحداث حقيقة الامر ومن هو الظالم ومن هو المظلوم ومن هو على حق ومن هو على باطل وان نتخذ قرارا بأن ننصر المظلوم والا نقف مع الظالم مهما كانت التضحيات لقوله تعالى " وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ " فمتى ما ركنت للظالم لن تنصر أبدا وهذا وعد الهي ومتى ما ركنت لله تعالى وكنت ممن يستمعون القول فيتبعون احسنه فانت منتصر لا محاله. فليراجع الانسان نفسه دوما ويحاسبها كما بينا في الايات السابقة والا ينطق ويعمل بما يرضي قوى الشر والظلام من أجل هوى النفس وان ينصر المظلوم وصاحب الحق مهما بلغت التضحيات.