الجمعة، 23 يوليو 2021

الولايات المتحدة ....نهاية امبراطورية

 

رغم المساؤى المتعدده للرئيس ترمب الا أنه كان من النوع الذي لا يخفي شيئا، مما شكل معضلة لادارته والدولة العميقة التي حرصت ألا ينتخب مرة أخرى، ففي الوقت الذي كان يضغط فيه الديمقراطيون على مسألة واحدة وهي التدخل الروسي في الانتخابات الامريكية رفض ترمب الامر بشكل قاطع وأكد الامر اثناء لقاءه مع بوتين في هلسنكي حين خرج على الصحفيين قائلا أن "الروس لم يفعلوا شيئا، هكذا أخبرني بوتين ولا يسعني الا ان أصدقه" مما اغضب الديمقراطيين كثيرا وكذلك الدولة الامريكية العميقة التي لا يهمها اذا تدخل بوتين في الانتخابات الرئاسية أم لم يتدخل لكن ما يهمها هو تحجيم روسيا وتحجيم طموحاتها في ان تكون دولة عظمى كما كانت.

في المقابل لم يتردد ترمب لحظة في الضغط على الصين حين فرض رسوما إضافية على الواردات الصينية وكان هذا الضغط آنيا وقابلا للتفاوض والهدف منه تكسب انتخابي لا أكثر ولا أقل، ولم يمضي وقت طويل حتى فرض الصينيون رسوما بالمثل مما أثارالشركات الامريكية ضد خطة ترمب وأثار حفيظة ادارته والدولة العميقة التي تعلم تماما ان الصين تملك 1.1 ترليون دولار من صكوك الخزينة الامريكيه وهو ما يعادل 4% من ديون الولايات المتحدة البالغة حتى الان 28 ترليون دولار وتكون بذلك الصين أكبر مشتري للديون الامريكية في العالم، لذا كانت تعلم إدارة ترمب أنه اذا ما قرر الصينيون بيع هذه الصكوك سيكون لذلك عظيم الأثر سلبا على الاقتصاد الأمريكي.

الواضح ان هناك دولتان وهما الصين وروسيا في طريقهما للصعود بسبب تعاونهما سويا مقابل هبوط للامبراطورية الامريكية ولا يملك بايدن أمرا سوى إدارة أفول هذه الإمبراطورية للحد من الخسائر ورسم طريق للتعامل مع هذين الماردين الصاعدين، فبدأ بالخروج من آسيا وما أفغانستان والعراق الا نموذجين لذلك وسيعقبهما خروجه من سوريا مع محاولة الإبقاء على صفوف داخل هذه الدول تدين بالولاء لامريكا لضمان تدفق السلع وطرق التجارة مع الولايات المتحدة .

لم يكن الوضع في أوروبا بأفضل حال فبايدن لم يستطع إيقاف أو تعطيل خط السيل الشمالي – 2 الذي سينقل الغاز الروسي الى ألمانيا في اغسطس او سبتمبرمن هذا العام بأنابيب تحت بحر البلطيق ولكن بطريقة إلتفافية حول أوكرانيا(أي حرمان اوكرانيا من اجور الترانزيت) التي كانت تأخذ ضرائب ترانزيت سنوية تقدر ب 3مليار دولار(مصادر اوكرانية) على خط السيل الشمالي-1 مما أثار الاوكرانيين فظهراوليسكي دانيلوف وزير مجلس الامن والدفاع الأوكراني على التلفزيون المحلي ليشتم علانية الالمان والفرنسيين ويوبخ الامريكان الذين تخلوا عن أوكرانيا بعدم إدخالها حلف الناتو او إلغاء خط السيل الشمالي -2، وما زاد الطين بلة هو رفض الروس اللقاء مع الرئيس زلنسكي رئيس أوكرانيا حين قال الرئيس بوتين" ماذا هناك لنتباحث به مع زلنسكي فهو قد أعطى إدارة البلد للغرب فاذا اردنا الحديث فسنجريه مع الغرب".

هذا المثال بدات تشعر به كل دول أوروبا خاصة الشرقية منها ولا شيء يعبر أكثر عن هذا الشعور مثل اللقاء الذي اجراه بايدن في بريطانيا مع السبعة الكبار في يونيو الماضي حين حاول بايدن بقوة رأب الصدع الذي سببه ترمب بخلافاته مع الاوربيين في فترته الرئاسية لكي يستطيع ان يخلق تحالفا قويا، ولكن تلك الخلافات ألقت بضلالها على المباحثات حيث ظهر الحرج واضحا على الاوربيين حين طلب منهم بايدن الوقوف معه ضد روسيا وكأن لسان حالهم كان يقول أننا أصبحنا بين السندان والمطرقة. المستشارة ميركيل كانت واضحة "لا إيقاف للغاز الروسي الى المانيا" فألمانيا بحاجة ماسة الى هذا الغاز وتعلم انه لا توجد مقارنة في السعر والتكلفة ما بين الغاز الروسي والغاز المسال الذي قد يأتي من الولايات المتحدة او قطر. فذهب بايدن للقاء يوتين وهو لم يملك الأدوات التي كان يتمنى أن يمكلكها للضغط عليه فكان لقاء وديا سمع خلاله بوتين ما أراد بايدن قوله فرد بالمثل وهكذا انتهى اللقاء.

الامريكان يقرأون جيدا التقارير الاقنصادية التي تظهر تنامي الطلب العالمي على العملة الصينية اليوان فمنذ ان أصبحت العملة الصينية عام 2016 جزء من سلة صندوق النقد الدولي للعملات ذات الاحتياطات الضخمة واليوان يسجل أرقاما كبيرة على الطلب الدولي خاصة قبل سنتين عندما سمحت الصين للمؤسسات المالية العالمية للدخول في السوق المحلي ، ناهيك عن 70 بنكا مركزيا حول العالم في نهاية 2019 بدأوا وضع اليوان في سلاتهم من النقد الأجنبي وعلى هذا المنوال يقول تقرير مورغان ستانلي ان الوقت لن يطول حتى يصبح اليوان ثالث اكبر احتياطي بعد الدولار واليورو. لا تكمن مشكلة الامريكان في هذه المعلومات رغم أنها تقلقهم ولكن ما يسبب مشكلة للامريكان هو التبادل التجاري للصين بالعملة المحلية وخاصة مع الروس حيث بلغ التبادل التجاري في الأشهر الأربعة الأولى من2021 ما يعادل $40.207 مليار دولار، وهذا ما تقوم به روسيا التي طلبت من المانيا الدفع بالروبل او اليورو لشحنات الغاز الحالية والقادمة، وهذا أيضا ما تقوم به ايران في تبادلها التجاري مع الصين وروسيا ، وما يخشاه الامريكان زيادة عدد الدول التي ستتعامل باليوان حين تفرض الصين ذلك .

المثل الشعبي القائل " كل يرى الناس بعين طبعه " ينطبق على الامريكان وسياساتهم الخارجية وتعاملهم مع حلفاءهم وتعاملهم مع الصين وروسيا ، فالامريكان يعتبرون ان لغة المصالح هي اللغة الوحيدة المستعملة بين الأمم واعتقدوا خاطئين ان اللغة التي بينهم وبين الاوربيين هي ذاتها وبحذافيرها ما بين الروس والصينين وهنا كان تشخيصهم خاطئا، فعندما ألقى الرئيس الصيني خطابه الشهير في أوزبكستان بتاريخ 7-9-2013 يدعوهم للمشاركة في طريق الحزام او الحرير، اعتقد الامريكان ان هذا سيزعج الروس لانها منطقة نفوذهم ومصدر قوة روسيا الجيوسياسية وانه سيزعج بوتين بشكل شخصي، ولكن سرعان ما تمخضت مجموعة من الاجتماعات عن ولادة اتفاقية التعاون الصينية اليورواسيوية عام 2018 وذلك على مستوى جماعي اما على المستوى الفردي فقد سبق هذا التاريخ مساهمة روسيا والصين وايران بانشاء العديد من محطات الطاقة والاستثمار في البنيات التحتية لهذه الدول، وكان بوتين من الداعمين الرئيسين لهذه الدول كي تتخذ هذه الفرصة لبناء دولها. حينها فقط اقتنع الامريكيون ان عزل روسيا عن الصين لن يجدي نفعا ولكنهم مازالوا يراهنون على احداث ما قد تساهم بوقف التعاون بينهما ، ولا يقوم الامريكيون بذلك عبثا وإنما في إطار إدارة الأفول القطبي لامريكا.

 

ويبقى السؤال : " الى متى تستطيع الولايات المتحدة الإبقاء على كيان العدو الصهيوني بعد كل هذا" ؟؟؟؟؟؟

القدس أقرب

الجمعة، 2 يوليو 2021

كيف سترحل الهيمنة الامريكية عن آسيا؟؟؟

 سياسة العقوبات الامريكية ازدادت في ال20 سنة الماضية الى درجة ان الكونغرس بدأ بإصدر ما يسمى " نظرة عامة على العقوبات" تصدرها خدمة البحث التابعة للكونغرس الامريكي(Congressional Research service)، وآخر ما صدرعنها هو نظرة عامه للعقوبات الامريكيه على روسيا بتاريخ 7/6/2021، وفيها 7 مواضيع، احتلال القرم،الفساد وحقوق الانسان، الاعتداءات السيبرانية، استخدام الاسلحة الكيميائية، كسر الحصار بالاتجار مع كوريا الشمالية وسوريا وفنزويلا، الاستخدام القسري لصادرات الطاقة وتحديدا السيل الشمالي، تم كل ذلك من خلال 11 أمرا تنفيذيا لرئاسة الولايات المتحده ناهيك عن قانون الكونغرس بإسم " مناهضة التأثير الروسي في أوروبا ويورواسيا" واختصارا بالانجليزية CRIEEA لعام 2017 والذي تعدل عدة مرات وفي كل مرة تزداد فيها العقوبات. وان لم يكن هذا كافيا  فمثال التحالف ما يسمى بالبحار الثلاث والذي تأسس عام 2015 وكان اول اجتماع لقمة التحالف في كرواتيا عام 2016 وهو تحالف 12 دولة اوروبية شرقية تطل على بحار الادرياتيك، البلطيق والاسود وظيفتهم عمل جدار لعزل روسيا في بقعتها الجغرافية يعيدا عن باقي اوروربا ولا داعي ان اذكر القارىء بالسطوة التاريخية لروسيا على هذه الدول التي لم تنل استقلالها الا بعد تهاوي الاتحاد السوفيتي عام 1991ما عدا النمسا . ويلقى هذا التحالف دعما امريكيا والمانيا هائلا لاحداث نوع من التكامل العسكري والاقتصادي بين هذه الدول حيث كانت اولى هذه الخطوات انشاء سكة حديد تربط هذه الدول لنقل الركاب والبضائع لتقليل كلفة السلع وكذلك انشاء قوة عسكرية لضمان تدفق الطاقة بشقيها النفطي والغازي بين هذه الدول من الجنوب الى الشمال دون الاعتماد على روسيا.


ولعل اخر حدثين يلخصان استفزاز الغرب لروسيا الحدث الاول هو رفض الاتحاد الاوروبي الاجتماع مع روسيا على مستوى القمة والحدث الثاني هواستفزاز البارجة البريطانية ديفندر للبحرية الروسية عندما دخلت المياه الاقليمية الروسيه ثم غادرتها بعد ملاحقة روسية لترسو على احدى موانىء جورجيا مما يمثل استفزاز اخر.

السؤال لما يعمد الغرب لذلك صارفا مليارات الدولارات والجهد وخطورة اللعب بالنار؟؟؟؟

الجواب سيكون في اسيا وليس في اوروبا وهذا سبب قانون الكونغرس الذي ذكرناه سابقا والذي ترى فيه الولايات المتحده أنه بهذه الطريقة ستهيمن الصين وروسيا على آسيا وذلك عن طريق الحزام الصيني او المسمى تاريخيا بطريق الحرير وهما في الواقع طريقان أحدهما بري والثاني بحري والثاني يستعمل البحر الاحمر بينما القسم البري يتجاوز داخل اسيا الوسطى او كما يسميها الغرب يورواسيا وتشمل دول الاتحاد السوفيتي السابقة فايران والعراق وسوريا ثم تركيا الى اوروبا، وهذه الخريطة قد تبين المطلوب 



فما هو وضع اسيا الوسطى بما فيها باكستان؟ وما خطورة افغانستان على طريق الحرير؟

قامت دول الاتحاد السوفيتي السابقة بتأسيس مجلس يجمع هذه الدول  : أرمينيا، وأذربيجان، وجورجيا، وروسيا البيضاء، وكازاخستان، و قرغيزستان ، ومولدوفا، وروسيا، وطاجكستان، وتركمانستان، وأوكرانيا، وأوزبكستان، بعد سقوط الاتحاد السوفيتي للتنسيق والتعاون الاقتصادي. ولكن مع مرور الوقت قامت روسيا بانشاء تحالف أمني عام 1994 ويسمى اتفاق طشقند ويضم 9 دول 3 منهم انسحبوا وهم اذربيجان وجورجيا واوزبكستان وبقي 6 وهم ارمينيا،روسيا البيضاء،قيرغستان وكازاخستان وروسيا وطاجيكستان والهدف الحقيقي هو التواجد القوات الروسية في هذه الدول وما يمنحها شرعية البقاء وبالاحرى كل الاتفاقات التي تمت في اسيا الوسطى كانت الهيمنة الروسية واضحة.

المفاجأة بالنسبة للغرب كانت التوافق الروسي الصيني على ما طرحه الرئيس الصيني عام 2013 في كازخستان من فكرة طريق الحرير او الحزام بل ان الرئيس بوتين في عام 2016 شجع الدول المشاركة في اتفاقية شانغهاي على بذل الجهود في سبيل انجاح المشاريع المتاحه لاجل ازدهار الاقليم وهذه الدول هي : الصين ، روسيا ، كازخستان، قيرغستان، طاجيكستان واوزبكستان ثم انضمت كل من الهند وباكستان. وكانت اول دفعة صينية بمقدار 40 مليار دولار واعقبها ب 14 مليار دولار نفس العام لاصلاح البنيات التحية لتلك الدول والاتصالات والمطارات وانشاء بنك للاعماربقيمة تأسيسية 100 مليار دولار بالتشارك مع روسيا التي وضعت 6.5 مليار دولار. كل هذا ناهيك عن الخط السريع بين الصين وباكستان والذي يبلغ طوله 1300 كم والذي تكفلت به الصين بالكامل عام 1980 وعادت في 2012 لتأهليه وتوسعته لتوقع اتفاقية الشراكة عام 2013 حتى بلغ صافي التبادل التجاري مع باكستان عام 2020 قد وصل الى 18 مليار دولار سنويا  بعد ان كان 8 مليار دولار عام 2011.

هذه الاستراتيجية التجارية والتي انفقت فيها الصين وروسيا الكثير والجهد الكبير الذي بذل لتوقيع الاتفاقات بدأت تأتي ثمارها وبدا الغرب يتوجس من رحيله من اسيا فقد تيقن ان العقوبات لم تجدي نفعا بل تزايدت ارادتهما لفعل المزيد فلم يبقى سوى استفزازهما من خلال القطع البحرية والانسحاب من افغانستان املا ان تشكل طالبان مشكلة لطريق الحزام ولكن الغرب لم يفكر ان دولا مثل باكستان ودول اسيا الوسطى ارتفع ناتجها الاجمالي وبدأت تنتعش كونها على هذا الطريق ولن تفرط بهكذا اقتصاد ناهيك وجود ايران في جنوبهم وروسيا شمالهم وقوتهما العسكرية ستردعان طالبان ومن معها. 

إنه عصر جديد للتجارة والاقتصاد بقيادة الصين وروسيا دون هيمنة امريكا والغرب، والدول الواقعة على الطريق المرسوم للتجارة ستكون محل نظرالجميع وبالاخص ايران والعراق وسورية لذلك لن يهدا الغرب حتى يدمر هذه المنظومة التي يرى فيها نهاية هيمنته.