الثلاثاء، 7 أبريل 2020

كورونا جيوبوليتيكا بين الصين وأميريكا

كل العالم يتوقع ويحلل ماذا سيحدث بعد انتهاء أزمة الكورونا، فالعالم كما عرفناه في بداية العام لن يستمربل لن يكون شبيها بما مضى بسبب ما يمر به الان من أزمة اقتصادية وصحية وأمنية. فالخسائر التي تمنى بها الشركات والتي تقدر بالمليارات سببت بطالة فاقت أزمة 2008 واذا استمرت الاوضاع لعدة أشهر قادمة سيكون أثرها كارثيا من الناحية الاقتصادية بل وحتى من الناحية الاجتماعيه والديمغرافية فالخسائر البشرية الهائلة والهجرات المتوقعه بسبب البطاله وندرة الوظائف بعد الازمه ستغير الكثير من تحضيرات الدول بعدالازمه التي ستحاول جاهدة خلق نوع من التوازن للوضع ما قبل وما بعد كورونا. 
ويعمد المحللون لدراسة اوضاع الدول الكبرى الصناعية ودورها لقيادة الاقتصاد الجديد وماهو المتاح لها حيث يعتقد ان العالم لن يشهد اي نوع من النمو خلال هذا العام وان انتهت ازمة كورونا في مايو او يونيو مما سيبقي اسعار النفط دون ال40 دولار لفترة تعجز فيها دولنا عن الصراع مع العجز الكبير المتوقع ولن يعوض هذا العجز الا النفط + الاحتياط + الضريبة الحتمية مع نظرة لما ستقوم به الدول الصناعية الكبرى لاحياء أسواقها ورفعة اقتصادها فبدون نمو اقتصادي عالمي لن يرتفع سعر النفط.

 كل أنظار العالم بما فيها العيون الامريكيه تنظر الى الصين التي انهت أزمتها مبكرا وبدأت فعليا تشغيل عجلتها الاقتصاديه رغم الخسائر البشرية الهائله التي قدمتها والتي شخصيا لا أثق بالارقام التي قدمتها ولكن رغم ذلك بينما العالم يرزح تحت ضغط الكورونا نرى الصين تمد يدها لكل العالم دون استثناء بما فيها الولايات المتحده تعبيرا عن قدرتها وتسيدها للموقف العالمي. فهل حسبت امريكا هذا الحساب ؟؟؟؟
الحقيقة ان الولايات المتحده بعد ان حطت الحرب العالمية الثانيه اوزاها لم تحفل بالصين مطلقا كقوة عظمى فالاحتلال الياباني كان قد دمرها تماما ولكن مع انتهاء الحرب كانت الصين قد أثمرت ثورة شيوعية لقائد عسكري جديد اسمه ماو تسي دونغ والذي لم يعدو كونه عسكريا في ظل نظام شيوعي لم تثبت فاعليته الاقتصاديه بل على العكس لم يثبت سوى فشله كما في الاتحاد السوفيتي. لذا ركز الامريكان كل طاقاتهم امام الاتحاد السوفيتي الذي بدأ يظهر كقوة عسكرية وتكنولوجية وبدأت الولايات المتحده تحشد الحلفاء لمقارعة السوفيت فقط.  في ذلك الوقت كانت الصين بقيادة ماو تعد لثورة زراعية عام 1949 وهي أولى كوارث ماو حيث سلم الفلاحين الاراضي للزراعة وركز على الانتاج دون دعم تكنلوجي وبعمالة تتضمن حتى طلبة المدراس حيث كان يخرجهم من المدارس ليعملوا في الحقول ساعات طويله . والرجال كانوا يعملون على فتح منافذ مائية لري الاراضي التي لم تعالج بطريقة علمية فكانت النتيجة سيئة للغايه. وما ان انتهى من هذه الفكرة حتى بدأ بثورة الحديد حيث اراد انتاج كميات هائله منه لتساعده في خطوته القادمه وهي الثورة الصناعيه فاضظرللاستعانة بالفلاحين مرة أخرى فانتجوا كميات هائلة من الحديد الفاسد ، ولكن الطامة الكبرى ان الاراضي الزراعية والتي باتت لا ترى العناية بارت كما فسدت المزروعات فعانت الصين من مجاعة اودت بحياة 40 مليون صيني عام 1960ولم تخف مصائب الصين حتى توفي ماو في عام 1976 الذي قاد الصين من خلال نظام قمعي شرس اودى بحياة الملايين في المعتقلات ومن الجوع.
في المرحلة ما بعد ماو كان رجل الساعة دونغ جياوبنغ والذي أدخل العديد من الاصلاحات الاقتصاديه ومنها الاستثمار الخارجي عندها فقط بدأ العالم يعرف الازمة الصينية عن كثب، ولم يتسنى لدونغ ان يستلم السلطه الا عام 1980 حيث زاد وتبرة الاصلاحات والانفتاح الاقتصادي. الامريكان كانوا مازالوا ينظرون للاتحاد السوفيتي الذي بدأ يشيخ ويحتضر حتى انتهى تماما عام 1991 حينها فقط أحس الامريكان انهم اصبحوا القطب الاوحد في العالم وبدأت أنظارهم تتجه نحو الصين ولكن دون تركيز كما حصل مع السوفيت لان العالم وطريقته تبدلت. واستمرت الصين بعدها بنهجها الى ان توفي دونغ عام 1997فيما استمر خلفه بنفس النهج وبدأت الصين تعلن عن نفسها كقوة عظمى اقتصاديه وعسكرية. 
الصينيون راقبوا عن كثب تلك السنوات في الحرب البارده والجدار الحديدي الذي وضعه السوفيت والذي لم يمنع الامريكان من دكه في النهاية وادركوا ان فتح علاقة وثيقه مع الامريكان ضرورة قصوى فكانت الزيارة التاريخيه لدونغ الى واشنطن عام 1979 بداية لفتح علاقات وتبادل تجاري بين البلدين وبداية لشراء ضخم لسندات الخزينه الامريكيه وفتح الحدود والتسهيلات التجاريه لكل الشركات الغربيه العملاقه كي تؤسس مصانعها في الصين مستغلة العمالة المهارية والرخيصة هناك. ما استفاده الصينيون هو التكنلوجيا الغربيه التي انتقلت الى بلادهم والتي افتقدوها منذ تأسيس الصين الجديدة فدرسوها وتعلموا كل جوانبها ، كيف لا وهم يصنعون كل الادوات  والحاسبات الالكترونيه للغرب وبلغ الصينيون مبلغا في انهم تفوقوا على الغرب في بعض الاحيان وهو أمر بداأ يقلق الغرب ولكن قد فات الاوان لأن الصين اصبحت جزءا مهما ورقما صعبا في التجارة العالميه وأي انهيار لها يهدد الاقتصاد العالمي ، ورغم ذلك استمر الغرب بوضع القيود ومنها اتفاقية الترانس باسيفيك والتي دخلت فيها الولايات المتحده في عهد اوباما وهي اتفاقيه للدول المحيطة بالصين والتي كلها حليفة للولايات المتحده ودورها يختصر في تحجيم الصين من بسط نفوذها وسيطرتها على الاقتصاد العالمي كرقم واحد.
ثم جاء فيروس كورونا ليقلب الموازيين ففي الوقت الذي اعتقد كل العالم ان الصين ستنهار، رأينا كيف احتوت الفيروس وبدأت تشغل عجلة الاقتصاد في الوقت الذي يبدو فيه الارتباك الشديد في الولايات المتحده من ناحية مكافجة المورونا والتخبط في التصريحات للرئيس ترمب في كل مقابلة وتصريح رسمي وهو ما يعكس الحالة الصعبة التي تعيشها الادارة الامريكية. فرغم كل ما فعلته مع الصين الا انها تقبلت المساعدات الصينيه وهو ادراك منها لصعود نجم الصين وستسمر الصين في العمل في الوقت الذي يجلس فيه الامريكان في منازلهم. نعم، الصينيون يدركون تماما ان الامريكان مازالوا يحملون اوراقا رابحة في شتى المجالات الاقتصادية منها والاعلامية ولكن الكل يدرك الان ان الصين قبل كورونا وما بعدها امر مختلف ويجب ان يتم التعامل معها على هذا الاساس، ومن هنا على دولنا ان تدرك هذا ايضا وان ميزان القوى بدأ يتغير ، فكيف يا ترى نستطيع الاستفادة من ذلك ؟؟؟ 
  

هناك تعليق واحد:

  1. يا أستاذ نائل جيوبوليتيكا تبعتك بعد قرائتها يحتاج الواحد يعيد كل الخطط الإستراتيجية الشخصية و المستقبلية .
    و شكرا

    ردحذف