الجمعة، 20 ديسمبر 2019

الحراك الشعبي بين العنف والسلميه

يؤلمنا ما نراه يحصل في العراق ولبنان من عنف في الحراك الشعبي ، هذا الحراك الذي تراه تارة سلميا يرفع فيها شعارات الغلاء وسوء المعيشه ومكافحة الفساد وتارة أخرى يصبح شعاره اسقاط الحكومه وخلق الفوضى والمواجهة مع القوات والاجهزة الامنيه. قد يبدو لنا لوهلة ان هناك حراكين منفصلين ، الاول يبحث عن معيشته والثاني يبحث عن العنف والتخريب واسقاط الحكومه، فكيف يحصل هذا التناقض في منتصف الطريق ؟ الاهداف التي يسعى لها كل طرف لا تعنيني في هذا المقال الذي يبحث بصورة علمية عن نجاح او فشل أي حراك نسبة الى النهج الذي يتبناه كان عنيفا ام سلميا، وكيف أنه لو قدر للحراكين اللبناني والعراقي ان يستمرا سلميين لانتصرا في النهاية. 
هذه دراسة للدكتورة أريكا شينويذ أستاذة الدراسات الدولية في جامعة دنفر الامريكيه تقول في كتابها " لماذا المقاومة المدنية فعاله؟" حيث تعرف المقاومة المدنية بأنها"نوع من الصراع ما بين المدنيين والسلطة تتم دون رفع السلاح ودون جلب أية أذى للمقابل وهي طريقة اكثر فاعلية من المواجهات العنيفة". هذه الدراسه تستكشف تاريخ المواجهات ما بين المدنيين والسلطه في السنوات ما بين 1900 و 2006 حيث خرجت بهذه الحقائق المذهلة:
1 - المواجهات السلمية حققت نجاحا بلغ 53% في حين ان المواجهات العنيفة لم تحرز الا 26% من النجاح.
2 - الانظمة القمعية قد تعطي المواجهات السلمية ما مقدارة 12 ضعفا من تلبية المطالب قياسا بالمواجهات التي تعتمد العنف
3 - إنحياز الاجهزة الامنيه للحراك السلمي 3 أضعاف انحيازها للحراك العنيف.
4 - الحراك السلمي يكون 4 اضعاف حجم الحراك العنيف لتواجد صغار وكبار السن فيه.
5 - الحراك السلمي قد يلقى دعما من بعض المؤسسات مما يحرج النظام السياسي ويبدأ تفهمه للمطالب.

ونقاط أخرى كلها تصب في خانة نجاح فرص التحرك السلمي قياسا بالمواجهات العنيفه ، وتسلط الدراسة على أهمية النفس الطويل، الصادق والقيادة لاي تحرك وكيف ان الالتزام بالسلمية رغم تدخل الاجهزة الامنيه سيؤتي ثماره في النهايه.  ولا دروس أفضل من الحراكات التي قادها غاندي ومارتن لوثر كينغ ونيلسون مانديلا اللذين نجحوا نجاحا باهرا نتيجة التزامهم بالسلمية في حراكهم والمثال الذي يحتذى هنا هو مسيرة الملح الهندية التي قادها غاندي تلك المسيرة التي سارت 241 ميلا احتجاجا على رفع السلطات البريطانية المستعمرة لثمن الملح ، فرغم القاء القبض على 60 ألف من المتظاهرين السلميين الا ان المسيرة كانت تزداد في العدد كل يوم مما اجبر المستعمر البريطاني للرضوخ في النهاية لمطالب المسيرة. هذه الامثلة تعلمنا التالي:
1 - التمسك بسلمية الحراك أضاف شرعية محلية ودولية لها وشجع أخرين للانضمام اليها مما زاد الضغط على الحكومات التي باتت تفكر جديا بالعواقب الاقتصادية والامنية
2 - في المواجهات العنيفة يكون تبرير الاجهزة الامنية لاستخدام العنف المضاد يسيرا اما في الحراك السلمي يكون استخدام الاجهزة للعنف مستهجنا.
3 - الحراك السلمي يبقي على باب المفاوضات مفتوحا كما حصل في الامثلة التي ذكرت فتكون فرصة نجاحها مرتفعة.

بعد هذا العرض الوجيز لهذه الدراسة يتضح لنا سبب تعثر الحراكين اللبناني والعراقي اللذان اعتمدا في نهاية الامر على العنف والتخريب وقطع الشوارع، فتصدى حراك على حراك وتدخلت أهداف سياسية وقوى اعتمدت الفوضى والتخريب فالكل اصبح قائدا وتصرف كما يريد اوكما يراد منه، لتتدخل قوى الامن مستخدمة السلاح مما أسقط الكثيرين بين جريح وقتيل دون تغيير يذكر ولا اصلاحات فاعله فضاعت المطالب المعيشية بين قنابل الغاز والرصاص الحي. وفي المقابل يظهر الحراك السوداني والجزائري كقصة نجاح رغم العنف الذي استخدم في الحالة السودانيه الا ان سلمية الحراك أجبرت انحياز القوات الامنيه لها وكان ذلك سببا رئيسيا لنجاحها ناهيك عن رفض الحراك للتدخل الخارجي مما اكسبها شرعية محلية ودولية. 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق