السبت، 11 سبتمبر 2021

الجيوسياسة بعيون غاز السيل الشمالي 2

ما أن تصدر خبر انجاز خط الغاز الروسي السيل الشمالي 2 حتى بدأ الاوكرانيون يندبون حظهم وفي نفس الوقت يهددون ويتوعدون من خلال رئيسهم الذي قال " ان حربا شاملة قد تندلع بيننا وبين الروس بسبب خط الغاز الجديد نورد ستريم 2". وكانت المستشارة الالمانية قد زارت كييف نهاية اغسطس الماضي لتطمئن الاوكرانيين وتحاول ايجاد صيغة اوربية لحل ليس مشكلة اوكرانيا يل شرق اوروبا ايضا.

فما أهمية خط انابيب الغاز هذا للاوكرانين؟ ولماذا ألتف الروس بهذا الخط ليحرموا اوكرانيا من الغاز؟ وهل هو فعلا سلاح جيوسياسي فعال كما يقول الاوربيون والامريكان؟

انابيب الغاز الروسية كانت تمر على اوكرانيا وبولندا وبلروسيا (روسيا البيضاء) وهي الدول بالاحمر كما في الصورة اما خطوط السيل الشماليةN1,N2 فهي تعبر بحر البلطيق مباشرة بين روسيا والمانيا وكان السيل الشمالي 1 قد انجز عام 2011 بقدرة 55 مليار متر مكعب ومع انجار خط السيل الشمالي 2 وبدء الضخ في ديسمبر من هذا العام فسيصل الى المانيا ما مقداره 110 مليار متر مكعب من الغاز سنويا




هناك اسباب متعددة لانزعاج الامريكيين والاوربيين وبينهم الاوكرانيين بالخصوص من خطوط الغاز الروسية سأعددها:

1 - اوكرانيا سنفقد 2 مليار دولار اجور الترانزيت سنويا وستفقد كل من بلروسيا وبولندا 500 مليون دولار سنويا

2- هذه الدول ستفقد اهميتها الجيوسياسية بالنسبة لاوروبا كدول ترانزيت للغازوبالذات اوكرانيا التي سعت حثيثا للاانضمام للاتحاد

3 - الاتفاق الالماني الروسي يقلق الاوربيين والامريكان على حد سواء 

4 - التخارج العسكري الامريكي من العالم واوروبا خاصة.

5 - تعاظم النفوذ الالماني في اوروبا فأجورالترانزيت والتوزيع على اوروبا اصبحت بايدي المانية الان

اذا تغاضينا عن النقطة الاولى رغم اهميتها الاقتصادية لاوكرانيا التي تعاني من تدهور اقتصادي يتمثل بهبوط 5% من ناتجها الاجمالي السنوي بسبب جائحة كورونا التي منعت الكثير من السياح زيارتها كما انها لم تحل مشاكلها بما يتعلق بالملكية العقارية الامر الذي أبعد الكثير من المستثمرين. النقطة الثانية هي مصدر قلق الاكرانيين فالامر الذي كانت تلوح به اوكرانيا وتظهر اهميتها لاوروبا هو خط الغاز الروسي الذي يمر باراضيها ويتوزع الى اوروبا ومع ذلك كان الاوربيون متوجسين من اوكرانيا الامر الذي دعا وزير الامن والدفاع لشتم الالمان والفرنسيين على التلفزيون لانهم لم يفوا بوعودهم بالوقوف معهم في ازمتهم مع روسيا وانضمامهم للااتحاد الاوروبي، فهم جيران لدولة عظمى عسكريا كروسيا التي تسلح الثوار في شرق اوكرانيا كما احتلوا جزيرة القرم وفي نفس الوقت الاوربيون تقاعسوا عن الدعم لان لهم مصالح مع روسيا خاصة فيما يتعلق بالطاقة. الاوكرانيون تعلموا الدرس ولكن بالطريقة الصعبة والتي مع استمرار الضغوط الاقتصادية والاهمال الغربي لها قد لا يجد زيلنسكي نفسه رئيسا في الانتخابات القادمة او ربما قبلها ولكن من سيأتي بعده لن يجد بدا سوى من التقارب مع روسيا. 

اما النقاط المتبقية فهي تقلق جميع الاوربيين فالتاريخ الروسي الالماني متارجح ما بين علاقات وطيدة وخلافات ولكن ما يخشى منه الاوروبيون والامريكان هو توطد العلاقات بين العملاقين الاوربيين فالتاريخ يذكر ان العلاقات بدأت بالتوطد من عام 1682حين حكم بطرس الكبير روسيا واستمر حكمه حتى عام 1725 عندما اعتلت زوجته كاثرين عرش الامبراطورية الروسيه. في هذه السنوات فتحت الامبراطورية الروسية ابوابها للالمان الذين ساهموا في تطوير وتنمية النظام الصحي والتعليمي والعسكري فتركت البصمة الالمانية في كل ذلك . وتوطدت العلاقات اكثر بعد الانتصار الروسي الكبير على نابليون عام 1812 على يد القيصر الروسي الكسندر الاول فلقي هذا الانتصار ترحيبا كبيرا من بروسيا التي كانت تحت الاحتلال الفرنسي لنابليون وجاء نتيجتها توحيد المانيا على يد فردريتش فالهالم الثالث. استمرت العلاقات الوطيدة ما بين الروس والالمان في الفترة ما بين الحربين العالميتين حيث كانتا منبوذتان في اوروبا فعملا سويا الى ان اتت الحرب الثانية لتنهار كل تلك العلاقات. المانيا بعد الحرب انقسمت ولكنها كانت تعلم ان لا اوروبا دون روسيا فالالمان يعيشون حتى يومنا هذا شعورا مختلطا مع الروس فهم يتعاطفون معهم لمعرفتهم العميقة بهم وفي نفس الوقت يخشون ان الضغط المستمر على الروس قد يولد انفجارا في اوروبا لذلك كانت علافتهم دائما الاستباق الى الحوار وهو ما بدا واضحا بعد انهيار الاتحاد السوفيتي حيث سارع الالمان للمساعدة ولكن اصابتهم خيبة الامل حين وجدوا ان الروس حينها ليسوا معنين بالتنمية الى ان جاء ديميتري ميدفيدف عام 2008 وبعده بوتين حيث عادت العلاقات الى عام 2014 حين احتل الروس جزيرة القرم فامتعض الالمان كثيرا فصاروا جزءا من سياسة العقوبات الامريكية. .

بعد هذه المقدمة التاريخية يتخوف الاوربيون من اية تقارب روسي الماني فأسس الجيوسياسة تقوم على التاريخ ودائما التاريخ يعيد نفسه فرغم الحذر بين الطرفين الا ان الالمان لن يتوقفوا من استيراد المواد الخام الروسيه ولن يتوقف الروس من استيراد الصناعات الالمانية المتفنة ويبقى التقارب الثقافي متميزا ببينهما اما في السياسة فلا ننسى ان ميركيل رغم رفضها لخط انابيب السيل الشمالي في البداية الا ان مجموعة لا بأس بها داخل حزبها الديمقراطي المسيحي عارضتها واجبرتها على الموافقة فلذا لا نستهين بالنفوذ الروسي داخل أروقة السياسة الالمانية. 

وتبقى الاسئلة: في خضم شتاء اوروبا القارص، ورغبة الاوربيين بمصدر طاقة رخيص ونظيف، ماذا سيتبقى من العقوبات الامريكية على روسيا من طرف الاوربيين؟ وأين سيكون موقع العلاقات الروسية الالمانية مستقبلا؟ وهل سيفرضان نفسيهما القوى العظمى في اوروبا؟ سننتظر ونراقب  


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق