الاثنين، 30 أغسطس 2021

الجيوسياسة وتجارب الامم

 رغم كتابتي للكثير من المقالات التي تندرج تحت العلم الجيوسياسي إلا أني لم أتطرق للتعريف الخاص بهذا العلم وكيف استخدمته الدول للوصول الى أهدافها والى تنفيذ خططها. لذا في هذا المقال سأتطرق الى وجهات النظر المختلفة للدول وكيفية تعريفها لديهم. الجيوسياسة تحاول ان تدرس العلاقة ما بين الجغرافيا والسياسة وكيفية استخدام هذا التحليل لرسم الخطط في العلاقات الدولية ، بل وأحيانا تتعدى هذه الدراسة هذه الاطر لتدخل قي الدراسات الاستراتيجية والامنية وقد انكبت الدول في العقود الاخيرة على الدراسات الجيو اقتصادية وربما أفضل مثال على ذلك هي المبادرة الصينية لخطة الطريق والحزام والتي كانت تدعى سابقا بطريق الحرير، فهذه الدول تتمتع بمراكز دراسات تقوم بتحاليل معمقة لاقليم ما وذلك بدراسته من جميع الجوانب سياسية كانت ام اقتصادية وديمغرافية. 

منذ النصف الثاني للقرن التاسع عشر وحتى تاريخ الحرب الباردة كان مفهوم الجيوسياسية هو مفهوم استعماري بامتياز تستخدمه الدول العظمى وخاصة بريطانيا التي كانت تتبع اسلوب والد الجيوسياسة البريطاني هالفورد ماكيندر الذي كان يؤمن ان من يسيطر على اسيا الوسطى بامكانه السيطرة على العالم أجمع ومفهومه يرتكز على أن القوة على الارض لها مفعول أكبر من القوة في البحرلذا تبنت بريطانيا الاستعمارية انزال جيوشها والسيطرة العسكرية والسياسية على مستعمراتها رغم قدراتها البحرية، وهذا ما خالفه فيه ألفريد ماهان وهو مؤرخ عسكري أمريكي يؤمن ان السيطرة على البحار تعني السيطرة على طرق التجارة ومن هنا تبنت الحكومات الامريكية المتعاقبة بناء الاساطيل الكبيرة واستطاعت وخاصة بعد الحرب العالمية الثانية من السيطرة على كل الممرات المائية. وكان ألفريد يخالف السياسة التي كانت تتبناها الحكومات الامريكية في فرض طريقتها على الشعوب فهو من قال" على الولايات المتحدة الا تحاول بناء الدول من منظورها للقيم الامريكية في الديمقراطية والمساواة" وهذه المقولة هي تحديدا السياسة التي اتبعها البريطانيين في حكمهم للمستعمرات في الوقت الذي فشل الامريكيون فشلا ذريعا في محاولة فرض طريقتهم على الشعوب. 

الالمان جاؤوا متأخرين نوعا ما على القوى الاستعمارية لكن ذلك لم يمنع فريدريك راتزل وكارل هاسهوفر من ابداء رأيهم في الجيو سياسة حيث ارتكز رأيهما على ضرورة التمدد وكانا يمثلان الدول كالانسان فهو يحتاج جسما صحيا وحالة ذهنية صافية كذلك الدول بحاجة الى أراض خصبة وتضاريس قابلة للدفاع عنها لكي يضمن لها الاستمرار والعمل في خضم الفوضى الدولية. فقدر الجغرافيا في نظرهما اما يستخدم لزيادة القوة او حاجز ومعوق للقدرة على التحرك وهذا الرأي تبناه الروس وما زالوا يفعلون فالروس لا يرغبون بأية دولة قوية او معادية في حدودهم الجنوبية والغربية لانها لا تستطيع الدفاع عنها ولانهما رئة روسيا للتجارة والنفوذ،  لذا كان الروس في صراع دائم مع الاتراك ومن هنا ايضا تبرز اهمية جزيرة القرم للروس. أما في الجهة الغربية فعيون الروس كانت دائما شاخصة على اوروبا وهذا ما حاول الغرب استغلاله في موقع اوكرانيا والتي تعرف تماما حساسية الروس من المنطقة الغربية.  

قد يكون الصينيون اكبر المستفيدين من كل هذه الافكار والتجارب بل واضافوا عليها امرا جديدا وهو الشق المرافق للجيوسياسة الا وهو الجيو اقتصاد، فالصينيون يربطون علاقاتهم الدولية وصداقتهم بالاقتصاد من خلال بناء الدول المحتاجة ويزيدون عليها بافكارهم واستثماراتهم ومشاركتهم بالتكنلوجيا الحديثة رغم انهم لم يتركوا تلك التجارب السابقة فهم يبنون جيشا جرارا وبحرية ضخمة ولا يقبلون من احد الاقتراب من بحر الصين جنوبا او شرقا تماما كتفكير الروس كما انهم يشاركون البريطانيين فكرتهم بأهمية اسيا الوسطى وقد تمكنوا منذ عام 2013 من الدخول ومشاركة الروس في مشاريع عملاقة مع دول الاتحاد السوفيتي السابق. استشعرت الولايات المتحدة الخطر الصيني على هيمنتهم على العالم فلم يخفي ترمب الامر عندما قال " ان الصين تعتبر التحدي الجيوسياسي الاول على امريكا وعلى هيمنتها على العالم " . لذا عمد الامريكان الى سياسة جديدة ضد الصين، فبدل المواجهة فضل الامريكان سياسة الاحتواء فجمعوا ما يسمى بالقوى الرباعية التي تشمل استراليا واليابان والهند بالاضافة للولايات المتحدة دون ادنى مراعاة من طرف الصين التي تمضي في سياساتها دون الالتفات لما يقوم به الامريكان فلغة الارقام تتحدث بوضوح عن التفوق الصيني والصورة التالية من الايكونومست تظهر مقدار هذا التفوق وكيف نجحت الصين من خلال سياساتها الجيوسياسيه من خلق شركاء تجاريين في غضون 20 عام


في الاقليم تعتبر ايران دولة صاعدة في هذا العلم وربما افضل مثال هو علاقة ايران بحركة طالبان وقد استقيت هذه المعلومات من مقابلة للدكتور محمد مراندي من جامعة طهران حيث قال:بعد هزيمة طالبان من القوات الأمريكية وتحالف الشمال عام 2001 انعزلت طالبان تماما وحتى من المقربين لها في باكستان الذين لم يستطيعوا ان يقدموا اي شيء للحركة.إيران في المقابل عاملتهم بطريقة مختلفة فرغم الدعم الإيراني لتحالف الشمال والذي انتصر في النهاية ورغم مقتل 4 دبلوماسيين إيرانيين في القنصلية الإيرانية على يد طالبان والاعتداءات المتواصلة من طالبان على الأقليات كالطاجيك والأوزبك وكذلك الهزارة  الا ان ايران بدأت بالحديث مع طالبان ولم تتدخل عسكريا في أفغانستان .

في عام 2011 بدأت تتطور المحادثات بين الطرفين ولقيت إيران تشجيعا من التغيير الجذري الذي حصل في تنظيم طالبان عندما خلع الكثير من القياديين المتصلبين والذين لم يوافقوا على التغيير. تركزت هذه المحادثات إبان الاحتلال الأمريكي لأفغانستان على أمور أربع:

1 – عدم التعرض للأقليات

2 – عدم زعزعة أمن الحدود مع إيران

3 – ألا يعقدوا أية صفقات مع الامريكان

4 – عدم الدخول في حرب أهلية

صدقت طالبان في وعودها ومازال الإيرانيون يراقبون الاوضاع في افغانستان و يتباحثون مع دول الجوار وتكون ايران قد نجحت  بحماية حدودها من جهة وضمنت بقاء الخط التجاري مفتوحا مع افغانستان وربما تحديث طريق الحرير بعد وصول الصين وحركة طالبان الى تفاهمات جديدة خاصة بعد وصول العلاقات الصينية الايرانية الى مراتب عالية ضمنت اخيرا مقعدا لايران في منظمة شنغهاي للتعاون فأصبحت جزءا من منظومة اقتصادية هائلة.

كخلاصة فاننا نلاحظ بوضوح الفوارق ما بين الامم في سياساتها الدولية وتعاملها مع الدول بناء على الدراسات الجيوسياسيه وعلينا كدول متلقية لهذه الاستراتيجيات ان ندرس سياسات الدول والتي تنشر هذه الدراسات على الملأ بأن نسلك طريقا يفيد أمتنا ويحفظ كرامتنا، فاتباع الولايات المتحدة والائتمار بأمرها يجب ان نضعه وراءنا فقد انتهى عصر القطب الواحدوباتت الولايات المتحدة تتلقى الهزيمة تلو الاخرى،ولا أبلغ من قول  عميد السياسات الخارجية الامريكية هنري كيسنجر حين قال " ان تكون عدوا للولايات المتحدة فذلك أمر خطر وأما أن تكون صديقا لها فذلك أمر مهلك"



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق