السبت، 19 أغسطس 2023

إتباع الحق ومقاومة الباطل

 مصادر التاريخ تخبرنا عن الصراع الابدي بين الخير والشر كما ان الكتب السماوية كلها تعرض هذا الصراع الانساني على مدى الدهر، ولو ركزنا على المصحف الشريف تحديدا لوجدنا مجموعة كبيرة من القصص التي تسرد هذا الصراع بدأ من آدم عليه السلام وكل هذا العرض والسرد القرآني لهدف وهو استخلاص العبر والمواعظ والتعرف على السنن الالهية في الكون. وفي معظم هذه الايات الشريفة ينهيها الله عز وجل بقوله " عبرة لاولي الالباب" ، "وذكرى لاولي الالباب" ، "وما يذكر الا أولي الالباب" وهنا نلاحظ بما لا يقبل الشك ان من يتعض ومن يذكر هم "أولي الالباب" اي هناك تقييد بهم وتحديدا بهم ، فمن هم أولوا الالباب؟ يقول الله سبحانه وتعالى في سورة الزمر اية 17--18 " وَ الّذِينَ اجْتَنَبُوا الطغُوت أَن يَعْبُدُوهَا وَ أَنَابُوا إِلى اللّهِ لهَُمُ الْبُشرَى فَبَشرْ عِبَادِ (17) الّذِينَ يَستَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتّبِعُونَ أَحْسنَهُ أُولَئك الّذِينَ هَدَاهُمُ اللّهُ وَ أُولَئك هُمْ أُولُوا الأَلْبَبِ (18) فهم من اجتنب الطاغون واستمع القول اي سمعه بتعقل وفهم فاتبع احسن ذلك القول اي اذا كان هناك قولان حسنان اتبع الاحسن واذا كان هناك قول سيء وآخرحسن اتبع الحسن، بمعنى آخر يجب علينا اذا اردنا ان نكون من أولي الالباب ان نتعظ من سيرة السابقين ونتذكر ما جرى عليهم وان لا نقبل الامور على عوانيها ولكن يتطلب منا تفكرا وتعمقا باستماع الاقوال لاتباع احسنها.

هذا المقال لا يتناول المؤمن المرتبط بالقرآن الكريم والتعاليم الالهية ولا بالكافر المنافق الذي لا يرتبط بالكتب والتعاليم السماوية وإنما للاشخاص الذين يعانون من صراع في داخلهم بين الخير والشر وبالنتيجة ما يخرج من فمه وما يسعى اليه بالعمل. هكذا أشخاص يعيشون معاناة بين كيف يرضون الله تعالى في خضم سيطرة للنفس على كلامهم وفعلهم لتختلط عليهم الامور فلا يتبعون أحسن القول أحيانا.

لهؤلاء الاشخاص عليهم التفكر قبل القيام بالعمل او النطق بالكلمات بدوافع هذه الافكار وهذا أمر مهم لان كل عمل وكل كلمة لها نتيجة خيرا كانت أم شرا ولكل عمل او قول حساب إما أجرا وإما إثما ، فهذه الدوافع هي التي تحدد من هم أولوا الالباب فان كانت هذه الدوافع نابعة من النفس وجب علينا الحذر فالنفس أمارة بالسوء واما الدوافع النقية والطاهرة فهدفها ارضاء الله تعالى. هذا العمق في التفكر لاختيار الاصلح والاحسن يتطلب من الانسان ان يكون قادرا على المقاومة  أي مقاومة النفس والمغريات والصورالتي  صار المجتمع يعتبرها أمرا عاديا ومقبولا، فقوى الشر والظلام أصبحت أقوى من أي وقت مضى لذا يلزمنا جميعا أن نحصن أنفسنا وأهلينا منها.

المقاومة اذا ما عرفناها بكلمتين كي يسهل حفظها هي " عدم الاستسلام " فالاستسلام أمر يسير لا يتطلب جهدا لانه الانبطاح لقوى الشر والظلام مهما صغر فمعظم النار من مستصغر الشرر فعندما يتقبل الانسان الصغائر تصبح جزءا من وجدانه ليبنى عليها شخصيته وردود أفعاله لتصبح قاعدة ينطلق منها لاعمال وأفعال أكبر دون ملاحظته ان الانحراف قد وقع منذ الخطوة الاولى وكلما علا المبنى يصعب ازالته والبناء من جديد. فالمستسلم للشر لا يمكن بأي شكل ان يكون من ذوي الالباب فهو لم يفكر بأثر هذا العمل ولم يتذكر ان قوما سبقوه قاموا بنفس الفعل وزلت أقدامهم عن جادة الحق.

مقاومة الشر في المقابل تتطلب جهدا كبيرا فهي مبدأ الصراع مع الظلمة وهذا الجهد الذهني سيخرج بفكرة ولكي يطبقها سيواجه الانسان مصاعب كثيرة وسيتطلب منه تضحية لان الشر لن يتركه يطبق تلك الافكار. ولكن كلما كانت مقاومة الانسان أكبر استطاع ان يواجه هذه المراحل حتى تمام انجاز المهمة بعدها يستطيع ان يخرج منها بسعادة وهذا أمر مهم فالسعادة التي ينالها المقاوم لن تزول او تضمحل بينما سعادة المستسلم لحظية ووقتية تضمحل وتزول خلال ساعات او أيام كي يعود لانحرافه مرة أخرى.

 اطلاق لفظ المقاومة لغة لا يصح الا عندما تكون هذه القوة عكس التيار العام وعكس ما هو سائد اي هي ردة فعل لفعل باطل بحكم ان الشر والباطل هو السائد . فلا يصح ان يأتي هذا اللفظ الا عندما تكون ضد الشر والفساد ومع الخيروالاصلاح، فلا يجوز عقلا استخدام هذا اللفظ مثلا كمقاومة الحق!!! لذا تشن عليها قوى الشر والظلام حروبا ومعارك وقصدها واحد وهي ازالة هذه المقاومة تماما فوجود بذرة صغيرة من المقاومة تستطيع ان توقف نهرا من الشر.

في الختام لكي نكون من ذوي الالباب يجب ان نتفحص الاحداث وان لا نسير معها  كما يقول المثل حشر مع الناس عيد فهذا غير صحيح ويجب ان ان نعلم من الاحداث حقيقة الامر ومن هو الظالم ومن هو المظلوم ومن هو على حق ومن هو على باطل وان نتخذ قرارا بأن ننصر المظلوم والا نقف مع الظالم مهما كانت التضحيات لقوله تعالى " وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ " فمتى ما ركنت للظالم لن تنصر أبدا وهذا وعد الهي ومتى ما ركنت لله تعالى وكنت ممن يستمعون القول فيتبعون احسنه فانت منتصر لا محاله. فليراجع الانسان نفسه دوما ويحاسبها كما بينا في الايات السابقة والا ينطق ويعمل بما يرضي قوى الشر والظلام من أجل هوى النفس وان ينصر المظلوم وصاحب الحق مهما بلغت التضحيات.


هناك تعليق واحد:

  1. أحسنت مقال في غاية الروعة 👍🏼

    ردحذف