الثلاثاء، 6 مايو 2025

التعليم في الكويت والحلقة المفقودة

 العالم أجمع بحث على مدى سنوات طويلة عن أفضل الطرق للتعليم للحصول على مخرجات مؤهلة للدخول الى افضل الجامعات كي تساهم في بناء مستقبل الدولة من قادة ومهندسين واطباء وغيرهم الكثير. بدأ هذا الامر بالثلاثينيات من القرن الماضي في اوروبا وامريكا باستخدام الراديو للتعليم وحينها قيل ان الراديو سيشكل ثورة في عالم التعليم الا ان ذلك لم يفيد كثيرا. أعقب ذلك استخدام التلفزيون كوسيلة لجذب الطلبة وأيضا قيل عنها انها ثورة التعليم ولم تستمر طويلا الى ان حلت اقراص الدي في دي وبعدها الدراسة عن بعد ، وفي كل مرة يضعون عنوان ثورة التعليم القادمة الا ان اي منها لم يؤدي الغرض المطلوب منه. واليوم نبدأ عصرا جديدا عنوانه الذكاء الصناعي والذي تم التعبير عنه ايضا انه ثورة في عالم التعليم وهو في بداياته الان ولا ندري الى ما سيؤول امر الذكاء الصناعي الا اني اعتقد انه لن يكون غير سابقيه من الثورات الفاشلة !! وسنعود مرة اخرى الى الفصل الذي يتضمن الطلبة والسبورة والمعلم واقول ذلك ليس من باب عدم الايمان بالتكنلوجيا الحديثة ولكن الشواهد الماضية كانت كثيرة وربما كانت التكنلوجيا هي السبب فعدم الرغبة في تغيير النمط هو هاجس انساني وربما ضعف التأهيل للمعلم والطالب على هذه التكنلوجيا ايضا سبب اخر ساهم في افشال كل هذه الطرق التي راهن عليها التربيون وربما لا يمكنك احداث ثورة في التعليم ولكن التحديث التدريجي لاساليب التعليم هي الحل، ولا يمكن التحديث الا بدراسة جميع عناصر التعليم كل واحدة على حدى ،،،ولكن كيف؟؟؟

عناصر التعليم في معظم دول العالم باستثناء ربما فنلندا وكوريا ج وكندا تنحصر في المنهج والمعلم والطالب وجاءت أغلب الابحاث على تطوير المنهج بالدرجة الاولى ثم بتأهيل المعلم بطرق مختلفة والطالب في النهاية بخلق بيئة مدرسية مناسبة له ،،، ولكن النتائج كانت تأتي تباعا دون مردود ايجابي مما يوحي ان هناك عنصرا رابعا مهما لم يتم الالتفات له رغم أهميته ، وهو كيف يعمل عقل الطالب في الفصل والمنزل بما يخص التعليم ؟ وما هي طرق التفكير والعمليات الذهنية للطالب المتعلقة بالدراسة والواجبة على النظام التربوي اتباعها  والتي بناء عليها يجب ان ننتقي المنهج ثم ندرب المعلم؟

في نهاية الثمانينات جاء الدكتور في علم النفس الاسترالي جون سويلر بنظرية الجهد الادراكي او الذهني Cognitive Load Theory التي تفترض ان الهدف الاساس من التعليمات والارشادرات هي تحسين التحديد او التوزيع لمعلومات المتعلم من الموارد الذهنية لبناء الترتيب الذهني  Schema . الترتيب الذهني هو ترتيب للافكار وتخزينها في الذاكرة طويلة الامد لتخفيف الجهد عن الذاكرة العاملة ولانها تمكننا من ايجاد اختصارات عند محاولة تفسير وفهم المعلومة الجديده فهي تخرج الملف المتعلق بالمعلومة الجديدة لكي تربطه بالمعلومات المخزنة وتعيده للذاكرة طويلة الامد محدثا. فمع تراكم الخبرات تخرج لنا معلومات جديدة يكون فيها ترتيب ذهني جديد او تحديث لملفات الترتيب الذهني للمعلومة الجديده.


   

   لنتأمل في الصورة أعلاه هناك نقل معلومات باتجاه واحد من الذاكرة قصيرة الامد الى الذاكرة العاملة ولكن ما بين الذاكرة العاملة والذاكرة الطويلة الامد فالسهم بالاتجاهين اي ان الذاكرة العاملة تستخرج المعلومات المخزنة وتربطها بالمعلومات الحديدة ثم تعيدها محدثة الى الذاكرة الطويلة الامد،،،أي ان تركيزنا على فهم كيفية عمل الذاكرة العاملة مهم جدا لفهم قدرات الطالب الاستيعابية كما ان المعلم يجب ان بساعد الطالب في ربط المادة الجديدة بالمخزنة في الذاكرة  الطويلة الامد.

اذن ينبغي التركيز على الذاكرة العاملة للطالب ومعرفة حدودها وطرق حمايتها ولفهم ذلك ننتقل الى انواع الذاكرة العاملة:

1 - الجهد الفعلي وهو الجهد الذي يبذله الطالب لفهم المعلومات الجديدة التي يوجهها المعلم ويقوم فيها الطالب بمحاولة ربطها ببعض بناء على خبراته السابقة لنفس الماده 

2 - الجهد الخارجي وهو الحهد الذي يبذله الطالب دون فائدة نتيجة تعقيد المادة او سوء تقديم المعلم من حيث استخدامه لصور خارجة عن الموضوع وعدم ربطها بخبرات الطالب السابقة للمادة بحيث انها تشتت تركيز الطالب عن الموضوع 

3 - الجهد المتصل وهو اهم جهد يبذله الطالب في الفصل فهو من خلاله يقوم باستحداث ترتيبات ذهنية او تعديلها ويتضح ذلك من اسئلته التي تبين معرفته بمعنى الموضوع وماهيته 

كما علمنا ان الذاكرة العاملة هي محدودة الاتساع وهنا تبرز اهمية تقليل المعلم للجهد الخارجي كي يزيد من حجم الجهد المتصل لجعل فرصته اكبر في بناء المعلومة وجعلها اوتوماتيكية الاستنباط بمعنى ان الذاكرة الطويلة الامد قد خزنت مجموعات كبيرة من الترتيبات الذهنية التي ستساعد الطالب في فهم المادة، ومن هنا يتقدم الطالب الى ما يسمى بالادراك الفوقي Metacognition وهي دورة ذهنية يبدأ فيها الطالب بفحص الدرس ويكتشف نقاط قوته وضعفه ثم يخططون لطريقة الفهم ثم بالنهاية يراجعون المادة ويتم هذا الامر بطريقة سلسة وسريعة نتيجة الممارسة والجهد الذاتي، وهنا تكمن وظيفة المدرس في افهام الطلبة كيف يجب عليهم التفكير وكيفية تلقي المادة او باختصار يجب ان يعلم الطالب ان يفكر كيف يفكر!!!!!

اذن نحن بحاجة الى:

1 - دراسة ومراعاة حجم المادة او المنهج في زمن الحصة الواحدة فقصف الطالب بكمية كبيرة من المعلومات لا تساعد جهده الفعلي مطلقا خاصة اذا علمنا ان طاقات الطلبة مختلفة. ان اكثر من 4 الى 7 عناصر جديدة تصل بالجهد الفعلي الى درجة التشبع لا يستطيع بعدها ربط المعلومات ببعض.

2 - اعتماد المعلم على المعلومات المخزنة وتنشيطها قبل الولوج الى مادة جديدة كي يتسنى للطالب الاستمرار في تفكيك وربط المعلومات الجديدة.

3 - التدريب المستمر على المادة للوصول الى درجة التمكن لان درجة التمكن هي عندما تكون الذاكرة الطويلة الامد قد احنوت كل عناصر المادة.

4 - حذف كل ما قد يتسبب بالجهد الخارجي من نقاش خارجي او صور خارجة عن الموضوع فهي لا تخدم تركيز الطالب.

5 - تحفيز الطالب على الجهد المتصل من خلال اسئلة وتدريبات اثناء الحصة لكي يتمكن من انتاج الترتيبات الذهنية او تعديلها وهي ستساعده بالالمام بالمواد القادمة

6 - مساعدة الطالب في كيفية الوصول الى الادراك الفوقي وطريقة التفكير السليمة وتحفيزه لمواصلة استخدام النظام الصحيح في الدراسة واتباع خطوات التذكر ثم الفهم ثم التطبيق  

التعليم في الكويت مر بمراحل مختلفة منذ بدايته المشرقة الى نهايته المظلمة الان ولا يمكننا الخروج من هذه الدوامة الا اذا اتخذنا قرارات حاسمة لاعادة النظر بالعملية التعليمية بدأ من ما قدمناه في هذا المقال بما يخص الطالب ثم تطوير اداء المعلم الذي يجب ان يكون جزءا من تحديد المنهج والمواد الدراسية التي تتناسب مع اداء الطالب وقدراته