السبت، 15 مارس 2025

الشراكة الامريكية-العراقية مقارنة مع الشراكة الصينية -الايرانية الجزء 2

 بعد ان استعرضنا اهم بنود اتفاقية الشراكة الامريكية - العراقية في الجزء الاول وبينا انها ليست شراكة حسب تعريفات العلوم السياسية بشكل عام والعلاقات الدولية بشكل خاص ، وأنها لا تعدو كونها شروط امريكية بغلاف جميل يستوعبه العالم على انه شراكة . ولا بأس ان نضع التعريف مرة أخرى للنققاش حول اتفاقية الشراكة الصينية - الايرانية.

تعريف الشراكة في حقل العلاقات الدولية باعتبارها ذلك المفهوم الذي يُشير إلى "ترتيبات ثنائية أو متعددة الأطراف في مجال أو أكثر على مدى زمني متوسط، يستند إلى التكافؤ في مساهمات أطرافه من ناحية، والفرص المتاحة من ناحية ثانية، والعوائد المتحققة من ناحية ثالثة.
ومن التعريف السابق يمكن استخلاص مجموعة من السمات للشراكة في العلاقات الدولية، أولها أن الشراكة يجب أن تتم بين فواعل دولية متكافئة، بحيث لا تتضمن فجوة بيّنة بين أطرافها. ثاني تلك السمات أنها لا تهدف لتوحيد أهداف وأجندات أطرافها، فهي لا تغفل المصالح العليا المتمايزة لأطرافها، وإنما تهدف في الأساس إلى توسعة المساحات المشتركة بينهما فقط. وثالث تلك السمات أنها ترتيب في المدى الزمني المتوسط في الأساس. ورابع تلك السمات أنها لا تهدف للمناصفة في العوائد بقدر ما تهدف لكفاية تلك العوائد لأهداف ومتطلبات أطراف الشراكة منها. وخامس تلك السمات أنها لا تتطلب أساس جغرافي أو ثقافي أو تاريخي لها فحسب بقدر كونها تتطلب أهداف حيوية مشتركة ومستقرة نسبياً.
ملاحظة : قبل الولولج الى الموضوع اقتضى التنويه ان المعلومات عن اتفاقية الشراكة الصينية - الايرانية شحيحة جدا والبحث كان مضنيا بسبب العقوبات الامريكية والتي قد تستغل هذه المعلومات لرصد التعاون بين البلدين ومنها فرض عقوبات اضافية عليهما، ولكن اللافت هنا احترام الصين للمطلب الايراني بعدم الافصاح عن بنود الاتفاق، ولذلك ما يمكننا فعله لهذا المقال مناقشة ما رشح عن الاتفاق والنتائج الفعلية للتعاون الاستراتيجي بين البلدين، وربما كانت الارقام المعلنة للتجارة بين البلدين متواضعة قياسا بالحقيقة والتي قد تشمل ارقاما أكبر وكل هذا ضمن اتفاق الطرفين بعدم الاعلان عن بنود الاتفاق..
اتفاقية الشراكة الصينية - الايرانية  طُرِحت الاتفاقية بادئ ذي بدء في عام 2016 ، خلال زيارةالرئيس الصيني شي جين بينغ لإيران، لكنَّها لم تدخل حيِّز التنفيذ وقتها، إذ جاءت عقب توقيع الاتفاق النووي لكنَّها عادت لواجهة الاهتمام مرَّةً أُخرى عام 2020، بعد التداعيات الاقتصادية الخطيرة التي خلَّفها الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي وصعود ترمب للسلطة في ولايته الاولى. ودارت خلافات شديدة في الداخل الايراني حول هذه الاتفاقية المبدئية الا ان مرشد الجمهورية الايرانيه حسم الموضوع بتاريخ 27 مارس 2021 عندما وقع البلدين على اتفاقية استراتيجية بينهما. ما رشح عن الاتفاق الغير ملزم وتشمل اتفاقية الشراكة الإستراتيجية 
1 - تقدم الصين استثمارات وخدمات اقتصادية وأمنية بقيمة 400 مليار دولار لإيران، على مدى 25 عامًا، في مقابل إمدادات ثابتة من النفط الإيراني للاقتصاد الصيني.
2 - إيجاد آلية خاصَّة للتبادُلات المصرفية المباشرة بين البلدين باليوان
الصيني، وتسهيل عمل التُجّار بين البلدين.
3 - إمكانية بناء مستودعات نفط إيرانية على الأراضي الصينية للتخزين
وحتّى إعادة التصدير، دون الحاجة لدفع ضرائب.
4 - تعاون استخباراتي، وتطوير البنية التحتية للمعلومات، وبناء شبكات
الجيل الخامس
5 - العمل على جعل إيران المحطَّة الأساسية لطريق الحرير التجاري في
الشرق الأوسط، بدلً من المرور بالجزيرة العربية.
6 - التعاون مع روسيا لربط بحر عُمان والخليج العربي بشمال أوروبا عبر
أذربيجان وروسيا، وساحل جنوب إيران ببحر البلطيق.
7 - مدّ أنابيب غاز ونفط من جنوب إيران إلى البحر المتوسِّط عبر العراق
وسوريا ولبنان، تتصل بميناءي بانياس السوري وطرابلس اللبناني.
8 - تطوير التعاون العسكري والدفاعي والأمني في مجالات التدريب
والبحث والصناعة الدفاعية، والتفاعُل في القضايا الإستراتيجية.

التحليل الواضح من بنود الاتفاق والطريقة الصينية في التعامل ان الاتفاق لبس فضفاضا بمعنى انه لا يتكلم عن تعاون تجاري وامني بشكل فضفاض وانما بنقاط محددة وهكذا تكون الاتفاقيات الاستراتيجية حيث يتم وضع الاهداف الرئيسية ثم لاحقا يتم وضع الخطط التشغلية لبلوغ هذه الاهداف مع المدة الزمنية المطلوبة. امر أخر ملاحظ ان الصين تشرك ايران في خطتها الاستراتيجية اي ان الصين لها خططها الاستراتيجية قبل الاتفاق وكانت تعمل عليها والان تريد ان تكون ايران جزءا مهما لتحقيق هذه الاهداف. الملاحظ أيضا ان الصينيين يضعون ما يملكون من تكنلوجيا على طاولة التعاون فالصين من مؤسسين الجيل الخامس للاتصالات بل سبقت الولايات المتحدة بذلك وهي تضعه امام الايرانيين لتكون الشبكتين في كلتا الدولتين على نفس الموجه، وهذا ينطبق على التسليح والامن والصناعة، فكون الطرفين يحملون نفس البرامج سيؤهلهم ذلك دون شك الى التسريع من تنفيذ المشاريع المشتركة.  

ماذا حصل للتنفيذ كما أسلفت فان الارقام التي تشمل التعاون التجاري بين البلدين قد يكون بعيدا عن الواقع ولكن بناء على هذه الاتفاقية التي تم توقيعها في 2021  فقد وقع الطرفان 16 مذكرة تفاهم في ديسمبر 2022 و 20 مذكرة تفاهم في فبراير 2023 . وقد بلغت التجارة بين البلدين في 10 اشهر ما بين مارس 2024 و يناير 2025  27.6 مليار دولار وهي صادرات وواردات غير النفط الخام نقلا عن جريدة تهران تايمز، اي ان الايرانيين يصدرون الحديد الخام والاغدية البحرية والمشتقات النفطية  وبالمقابل فان التصدير الصيني ينحصر بالسيارات وقطع الغيار كما هو معلن، اما عن التعاون الامني والاستراتيجي والتسليح فهو غير معلن.
الصين لا تخفي انها تري في مضيق جزيرة مالاكا الماليزية وهو المضيق الذي تستعمله الصين في نقل 60% من صادراتها خطورة لمستقبل النقل البحري الصيني فلذلك هي تستعيض بالنقل البري عن طريق دول اسيا الوسطى ثم ايران فلذلك هي تولي هذه الاتفاقية اهمية كبيرة تماما كما توليها ايران اهمية كبيرة. ولا دليل اكبر من ذلك من دعوة الصين لكل من روسيا وايران الجمعه الماضي لنقاش اعادة فتح نقاش الملف النووي الايراني بين الدول الثلاث المتحالفة لتكون خطتهم واضحة المعالم امام الامريكي، حتى وان كان الامريكي قد اوعز للصين فتح الموضوع الا ان اشراك الروسي ايضا لهو دليل على كيفية عمل الصينين في المكاشفة والوضوح مع الشركاء.  

خلاصة المقالين  شتان ما بين الاتفاقيتين فعندما يرى الامريكي ان على العراق تنفيذ شروطه  لاستكمال العمل على الاتفاقية والتي هي ضمانة للشركات الامريكية يرى الصينين ان ايران دولة ند وتبادل المصالح لا يمكن ان يتم دون توحيد البرامج الاستراتيجية للبلدين وان الاهداف الرئيسية واضحة المعالم في الوقت الذي يرى فيه الامريكي ان العمل على القطعه وليست كل الاهداف على الطاولة انما ما يشاء تمريرة في الوقت والزمن المحدد. 
النهج الصيني في احترام سيادة الدول ومتطلباتها وخصوصيتها يعني الشراكة الحقيقية والمتميزه ، وأما النهج الامريكي فهو على طريقة الكابوي نفذ ثم نناقش بنود الاتفاق ومعه لا يمكن اقامة شراكة من أي نوع مع الامريكي مطلقا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق