الجمعة، 14 مارس 2025

الشراكة الامريكية-العراقية مقارنة مع الشراكة الصينية-الايرانية - الجزء 1

هذه المقاله ستكون من جزئين ليسنى لنا البحث الكامل لبنود الاتفاقيتين الاستراتيجيتين ومدى تنفيذهما واستفادة إيران والعراق منهما.

اصطلاحاً لم يكن المفهوم محل نظر وممارسة في حقول العلوم الاجتماعية حتى النصف الثاني من عقد الثمانينيات، عندما ظهر في القواميس المعنية عام ١٩٨٧م تعريف إياه بأنه "نظام يجمع المتعاملين الاقتصاديين والاجتماعيين"، ليظهر بعدها في حقل العلاقات الدولية عندما تم رصده وتداوله في محاضر اجتماعات مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية "أونكتاد" في نهاية الثمانينيات.

تعريف الشراكة في حقل العلاقات الدولية باعتبارها ذلك المفهوم الذي يُشير إلى "ترتيبات ثنائية أو متعددة الأطراف في مجال أو أكثر على مدى زمني متوسط، يستند إلى التكافؤ في مساهمات أطرافه من ناحية، والفرص المتاحة من ناحية ثانية، والعوائد المتحققة من ناحية ثالثة.
ومن التعريف السابق يمكن استخلاص مجموعة من السمات للشراكة في العلاقات الدولية، أولها أن الشراكة يجب أن تتم بين فواعل دولية متكافئة، بحيث لا تتضمن فجوة بيّنة بين أطرافها. ثاني تلك السمات أنها لا تهدف لتوحيد أهداف وأجندات أطرافها، فهي لا تغفل المصالح العليا المتمايزة لأطرافها، وإنما تهدف في الأساس إلى توسعة المساحات المشتركة بينهما فقط. وثالث تلك السمات أنها ترتيب في المدى الزمني المتوسط في الأساس. ورابع تلك السمات أنها لا تهدف للمناصفة في العوائد بقدر ما تهدف لكفاية تلك العوائد لأهداف ومتطلبات أطراف الشراكة منها. وخامس تلك السمات أنها لا تتطلب أساس جغرافي أو ثقافي أو تاريخي لها فحسب بقدر كونها تتطلب أهداف حيوية مشتركة ومستقرة نسبياً

اليوم ارتأيت المقارنة ما بين اتفاقية الشراكة الامريكية- العراقية وبين اتفاقية الشراكة الصينية - الايرانية لاظهار الاختلاف العميق ما بين النهجين الامريكي والصيني في التعامل مع سيادة الدول واستقلالها السياسي وتحقيق الافاق المستقبلية لدول المنطقة وشعوبها من الناحية الاقتصادية والتكنلوجية وغيرها عن طريق عرض البنود الرئيسية للاتفاقيتين ومقدار التنفيذ الفعلي على الارض علما ان ايران ترزح تحت عقوبات هائلة منذ عام 1979 وتزايدت على مر السنوات .

اتفاقيية الشراكة الامريكية - العراقية

بدأ طريق الاتفاقيات الامريكية العراقية منذ اتفاقية الإطار الاستراتيجي التي وقعتها الولايات المتحدة والعراق في نوفمبر عام 2008، وصادق عليها مجلس النواب العراقي في نهاية نفس العام ودخلت حيز التنفيذ في شهر يناير من العام التالي 2009. ترسي هذه الاتفاقية  لعلاقة صداقة وتعاون بين الولايات المتحدة وجمهورية العراق" أسس تعاون مشترك وطويل المدى بين البلدين في سبعة مجالات رئيسية هي: 1-السياسة والدبلوماسية، 2- الدفاع والأمن، 3- الثقافة، 4- الاقتصاد والطاقة، 5- الصحة والبيئة، 6- تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، 7- تطبيق القانون والقضاء. في كل واحدة من مجالات التعاون هذه، حددت الاتفاقية الأهداف العامة المرتبطة بكل قطاع وهي، في أغلبها، تتصل بتقوية المؤسسات العراقية وتطوير قدراتها على تأدية مهامها بفعالية.وللإشراف على إنجاز هذه الأهداف، نصت الاتفاقية على تشكيل لجنة تنسيق عليا أميركية-عراقية، تلتقي دورياً، مهمتها متابعة تنفيذ بنود الاتفاقية.

ماذا حصل للتنفيذ؟

ظلت هذه الاتفاقية، عملياً، مركونةً على الرفوف العراقية أكثر من ثلاث سنوات بعد دخولها حيز التنفيذ، إلى أن دعا رئيس الوزراء حينها، نوري المالكي، في خريف 2012 إلى تفعيلها، بعد تصاعد المطالب الشعبية بتحسين الخدمات، لتتبع هذه الدعوة بعد أشهر في بغداد أول الاجتماعات الجدية مع نظراء أميركيين للتعاطي مع تحديات الخدمات والصحة والتعليم والاستثمار. لم يتم البناء على هذه الاجتماعات والأفكار التي أثيرت ومع اضطرابات الأمن والسياسة في العراق والخصومة المتصاعدة بين حكومة المالكي وإدارة أوباما حينها، جعلت متابعة بنود الاتفاقية هامشاً مُهملاً في بغداد ولم تتحسن العلاقات الأميركية-العراقية بعد تولي حيدر العبادي رئاسة الوزراء في 2014 وبذلك مرت سنوات ولم يكن لهذه الاتفاقية اي جدوى بل وازدادت سوءا بعد اغتيال قاسم سليماني وابو مهدي المهندس في بغداد حتى عام 2024 عندما زار رئيس الوزراء العراقي واشنطن في محاولة منه لتحريك عجلة هذه الاتفاقية التي خطط الامريكان لتأخيرها حتى يقوم العراقيين بتنفيذ الشروط الامريكية.

التحليل
لم تشهد هذه الاتفاقية على انجاز مميز اقتصاديا كان او غيره فما زال العراق يعتمد على النفط كمعظم دول الخليج ولكن بالاختلاف انه يحتوي على الكثير من الموارد الطبييعية الاخرى التي تخول الاقتصاد العراقي ان يكون متنوعا والتي لا تمتلكها الدول الاخرى. باختصار،الامريكي في الحقيقة لم يريد شيئا من هذه الاتفاقيه سوى:
1 - توفير ضمان للمصالح الامريكية في العراق
2 - الحرص على استمرار إمدادات الطاقة وتطويرها، خاصةً بعد تزايد الحاجة الغربية لمصادر جديدة للطاقة نتيجة الأزمة الروسية-الأوكرانية.
3 - ملىء الفراغ لمنع الحكومة العراقية من اللجوء للصين وجعلها مركزا لخط الحزام والطريق.
4 - ضبط العلاقة مع الحكومة العراقية وإداراتها بهدف عدم فسح المجال أمام تعاون وثيق وموسع مع ايران
5 - ضمان تطبيق العراق للعقوبات على ايران من ناحية البنوك واستراد الغاز وغيرها دون الالتفات لما قد يضر العراق نتيجة ذلك.
6 - استخدام متى شاء ورقة تقييد الفيدرالي الأمريكي تحويل عائدات النفط العراقي من الحساب الخاص بإيداع واردات بيع النفط في "الفيدرالي"
اما ماذا يريد العراق فهو 
1 - بالدرجة الاولى الالتزام الامريكي بإنهاء مهام التحالف في العراق بحلول سبتمبر 2025، ومعالجة أي توترات وفق مبدأ الحوار.
2 - دعم الحكومة بما يحفظ الاستقرار السياسي والأمني، وطمأنة المجتمع الدولي بالابتعاد عن سياسة المحاور.
3 - استكمال الخطط المشتركة لتنمية البنية التحتية، والاقتصاد والاستثمار بالأخص في مجال الطاقة.

هذا التفاوت في الارادات بين الفريقين لهو مؤشر فعلي على فشل هكذا اتفاق بل على فشل هكذا شراكة فالامريكي كما أسلفنا لم يفهم التركيبة السياسية في العراق ولا تطلعات الشعب العراقي والحقيقة انه لا يريد فهمها لان هدفه مصلحته فقط ولا يهمه اذا وقف العراق على قدميه ام لا ، ولا دليل اكبر من نسبة البطالة التي كانت 9.2% في عام 2013 حتى اصبحت عام 2024، 15.3%  اما نسبة الفقر فما زالت تتراوح عند 18% كما صرح وزير التخطيط العراقي أي 8 ملايين عراقي تحت خط الفقر، فماذا كانت الخطط الامريكية للعلاج؟ لا شيء مطلقا ، فهو يطالب العراق بالكثيرولا يعرض عليه الا القليل ولهذا التفاوت في المصالح.

 لا يمكن ان نطلق على هذا الاتفاق شراكة كما أسلفنا في المقدمة من التعريف لمعنى الشراكة. فوجود الفجوة العميقة بين الطرفين بدليل تأخر التطبيق المتعمد من الجانب الامريكي  الذي كان ينتظر من الجانب العراقي ان يتماشى مع اجندته في تغافل واضح للسيادة العراقية وكل هذه النقاط الاساسية هي مخالفة لسمات تعريف الشراكة الحقيقية.
 - 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق